سورة الحج - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} من البلاء والمصائب {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} أي: المقيمين للصلاة في أوقاتها، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يتصدقون. قوله عز وجل: {وَالْبُدْنَ} جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها، يريد: الإبل العظام الصحاح الأجسام، يقال بدن الرجل بدنا وبدانة إذا ضخم، فأما إذا أسن واسترخى يقال بدن تبدينا. قال عطاء والسدي: البدن: الإبل والبقر أما الغنم فلا تسمى بدنة. {جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} من أعلام دينه، سميت شعائر لأنها تشعر، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هدي، {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} النفع في الدنيا والأجر في العقبى، {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} عند نحرها، {صَوَافَّ} أي: قياما على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها، ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد الله بن مسلمة، أخبرنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها، قال: ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد: الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث قوائم.
وقرأ ابن مسعود: {صوافن} وهي أن تعقل منها يد وتنحر على ثلاث، وهو مثل صواف. وقرأ أبي والحسن ومجاهد: {صوافي} بالياء أي: صافية خالصة لله لا شريك له فيها.
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي: سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض. وأصل الوجوب: الوقوع. يقال: وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب، {فَكُلُوا مِنْهَا} أمر إباحة، {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} اختلفوا في معناهما.
فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة: {القانع} الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل، {والمعتر} الذي يسأل.
وروى العوفي عن ابن عباس: {القانع} الذي لا يعترض ولا يسأل، {والمعتر} الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل، فعلى هذين التأويلين يكون {القانع}: من القناعة، يقال: قنع قناعة إذا رضي بما قسم له.
وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي: {القانع}: الذي يسأل، {والمعتر}: الذي يتعرض ولا يسأل، فيكون {القانع} من قنع يقنع قنوعا إذا سأل.
وقرأ الحسن: {والمعتري} وهو مثل المعتر، يقال: عره واعتره وعراه واعتراه إذا أتاه يطلب معروفه، إما سؤالا أو تعرضا.
وقال ابن زيد: {القانع}: المسكين، {والمعتر}: الذي ليس بمسكين، ولا يكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم.
{كَذَلِكَ} أي: مثل ما وصفنا من نحرها قياما، {سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ} نعمة منا لتتمكنوا من نحرها، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكي تشكروا إنعام الله عليكم.


{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي، فإنه من قنعت، بكسر النون، أقنع قناعة، وقنوعا وقنعانا، وأما المعتر: فإنه الذي يأتيك معترا بك لتعطيه وتطعمه بدمائها قربة إلى الله، فأنزل الله هذه الآية: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} قرأ يعقوب {تنال} و{تناله} بالتاء فيهما، وقرأ العامة بالياء. قال مقاتل: لن يرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها، {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ولكن ترفع إليه منكم الأعمال الصالحة والتقوى، والإخلاص ما أريد به وجه الله، {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ} يعني: البدن، {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، وهو أن يقول: الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا، {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} قال ابن عباس: الموحدين.


قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} قرأ ابن كثير وأهل البصرة: {يدفع}، وقرأ الآخرون: {يدافع} بالألف، يريد: يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم عن المؤمنين. {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} أي: خوان في أمانة الله كفور لنعمته، قال ابن عباس: خانوا الله فجعلوا معه شريكا وكفروا نعمه. قال الزجاج: من تقرب إلى الأصنام بذبيحته وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور. قوله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم: {أذن} بضم الألف والباقون بفتحها، أي: أذن الله، {للذين يقاتلون}، قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص {يقاتلون} بفتح التاء يعني المؤمنين الذين يقاتلهم المشركون، وقرأ الآخرون بكسر التاء يعني الذين أذن لهم بالجهاد {يقاتلون} المشركين.
قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال، فنزلت هذه الآية بالمدينة.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون فإذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} أي: بسبب ما ظلموا، واعتدوا عليهم بالإيذاء، {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10